فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ولقد صرفنا في هذا القرآن} فيه وجهان:
أحدهما: كررنا في هذا القرآن من المواعظ والأمثال.
الثاني: غايرنا بين المواعظ باختلاف أنواعها.
{ليذكروا} فيه وجهان:
أحدهما: ليذكروا الأدلة. الثاني: ليهتدوا إلى الحق.
{وما يزيدهم الا نفورًا} فيه وجهان:
أحدهما: نفورًا عن الحق والاتباع له.
الثاني: عن النظر والاعتبار. وفي الكلام مضمر محذوف، وتقديره ولقد صرفنا الأمثال في هذا القرآن.
قوله عز وجل: {قل لو كان مََعَهُ آلهةٌ كما يقولون إذًا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلًا} فيه وجهان:
أحدهما: لطلبوا إليه طريقًا يتصلون به لأنهم شركاء؛ قاله سعيد بن جبير.
الثاني: ليتقربوا إليه لأنهم دونه، قاله قتادة.
قوله عز وجل: {وإن من شيءٍ إلاّ يُسَبِّحُ بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم}
فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: وإن من شيء من الأحياء الا يسبح بحمده، فأما ما ليس بحي فلا، قاله الحسن.
الثاني: إن جميع المخلوقات تسبح له من حي وغير حي حتى صرير الباب، قاله إبراهيم.
الثالث: أن تسبيح ذلك ما يظهر فيه من لطيف صنعته وبديع قدرته الذي يعجز الخلق عن مثله فيوجب ذلك على من رآه تسبيح الله وتقديسه، كما قال الشاعر:
تُلْقِي بِتَسْبِيحَةٍ مِنْ حَيْثُما انْصَرَفَتْ ** وتَسْتَقِرُّ حَشَا الرَّائِي بإِرْعَادِ

كَأَنَّمَا خُلِقتْ مِن قِشْرِ لُؤْلُؤةٍ ** فَكُلُّ أَكْنَافِها وَجْهٌ لِمِرْصَادِ

اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {أفأصفاكم} الآية، خطاب للعرب التي كانت تقول الملائكة بنات الله، فقررهم الله على هذه الحجة، أي أنتم أيها البشر لكم الأعلى من النسل ولله الإناث؟ فلما ظهر هذا التباعد الذي في قولهم عظم الله عليهم فساد ما يقولونه وشنعته، ومعناه عظيمًا في المنكر والوخامة، و{أصفاكم} معناه جعلكم أصحاب الصفوة، وحكى الطبري عن قتادة عن بعض أهل العلم أنه قال: نزلت هذه الآية في اليهود لأنهم قالوا هذه المقالة من أن الملائكة بنات الله.
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41)}.
قرأ الجمهور: {صرّفنا} بتشديد الراء على معنى صرّفنا فيه الحكم والمواعظ، وقرأ الحسن: {صرَفنا} بتخفيف الراء على معنى صرَفنا فيه الناس إلى الهدى بالدعاء إلى الله، وقال بعض من شدد الراء: إن قوله: {في} زائد، والتقدير ولقد صرفنا هذا القرآن، وهذا ضعيف، وقرأ الجمهور: {ليذَّكَّروا} وقرأ حمزة والكسائي: {ليذْكُروا} بسكون الذال وضم الكاف، وهي قراءة طلحه ويحيى والأعمش، وما في ضمن الآية من ترج وطماعية فهو في حق البشر وبحسب ظنهم فيمن يفعل الله معه هذا، والنفور عبارة عن شدة الإعراض تشبيهًا بنفور الدابة، وهو في هذه الآية مصدر لا غير، وروي أن في الإنجيل في معنى هذه الآية: يا بني إسرائيل شوقناكم فلم تشتاقوا ونحنا لكم فلم تبكوا. وقوله تعالى: {قل لو كان معه آلهة} الآية إحبار بالحجة، واختلف الناس في معنى قوله: {لا تبتغوا إلى ذي العرش سبيلًا} فحكى الطبري وغيره من المفسرين أن معناه لطلب هؤلاء الآلهة الزلفى إلى ذي العرش والقربة إليه بطاعته، فيكون السبيل على هذا التأويل بمعناها في قوله: {فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلًا} [المزمل: 19]، وقال سعيد بن جبير وأبو علي الفارسي والنقاش وقاله المتكلمون أبو منصور وغيره، إن معنى الكلام، لابتغوا إليه سبيلًا في إفساد ملكه ومضاهاته في قدرته، وعلى هذا التأويل تكون الآية بيانًا للتمانع، وجارية مع قوله: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء: 22].
قال القاضي أبو محمد: ونقتضب شيئًا من الدليل على أنه لا يجوز أن يكون مع الله تبارك وتعالى غيره، وذلك على ما قال أبو المعالي وغيره. إنا لو فرضناه لفرضنا أن يريد أحدهما تسكين جسم والآخر تحريكه، ومستحيل أن تنفذ الإرادتان، ومستحيل أن لا تنفذ جميعًا، فيكون الجسم لا متحركًا ولا ساكنًا، فإن صحت إرادة أحدهما دون الآخر فالذي لم تتم إرادته ليس بإله، فإن قيل نفرضهما لا يختلفان، قلنا اختلافهما جائز غير ممتنع عقلًا، والجائز في حكم الواقع، ودليل آخر، إنه لو كان الاثنان لم يمتنع أن يكونوا ثلاثة، وكذلك إلى ما لا نهاية، ودليل آخر أن الجزء الذي لا يتجزأ من المخترعات لا تتعلق به إلا قدرة واحدة، لا يصح فيها اشتراك، والآخر كذلك دأبًا، فكل جزء إنما يخترعه واحد، وهذه نبذة شرحها بحسب التقصي يطول، وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم: {كما يقولون} بالياء من تحت، وقرأ الجمهور: {كما تقولون} و{سبحانه} مصدر بفعل متروك إظهاره، فهو بمعنى التنزيه، موضعه هنا موضع تنزه، فلذلك عطف الفعل عليه في قوله: {وتعالى}، والتعالي تفاعل أما في الشاهد والأجرام فهو من اثنين، لأن الإنسان إذ صعد في منزله أو في جبل فكأن ذلك يعاليه، وهو يعالي ويرتقي، وأما في ذكر الله تعالى فالتعالي هو بالقدر لا بالإضافة إلى شيء آخر، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو: {عما يقولون} بالياء، وقرأ حمزة والكسائي: {تقولون} بالتاء من فوق، و{علوًا}، مصدر على غير الفعل، فهو كقوله: {والله أنبتكم من الأرض نباتًا} [نوح: 17] وهذا كثير، وقوله تعالى: {تسبح له السماوات} الآية، المعنى ينزهه عن هذه المقالة التي لكم، والاشتراك الذي أنتم بسبيله، {السماوات السبع والأرض}، ثم أعاد على السماوات والأرض ضمير من يعقل لما أسند إليها فعل العاقل، وهو التسبيح، وقوله: {من فيهن} يريد الملائكة والإنس والجن، ثم عم بعد ذلك الأشياء كلها، في قوله: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} أي ينزه الله ويحمده ويمجده، واختلف أهل العلم في التسبيح، فقالت فرقة هو تجوز، ومعناه إن كل شيء تبدو فيه صنعة الصانع الدالة عليه فتدعو رؤية ذلك إلى التسبيح من المعتبر، ومن حجة هذا التأويل قوله تعالى: {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن} [ص: 18] وقالت فرقة {من شيء} لفظ عموم، ومعناه الخصوص في كل حي ونام، وليس ذلك في الجمادات البحتة، فمن هذا قول عكرمة: الشجرة تسبح والأسطوانة لا تسبح، وقال يزيد الرقاشي للحسن وهما في طعام، وقد قدم الخوان: أيسبح هذا الخوان يا أبا سعيد؟ فقال قد كان يسبح مرة، يريد أن الشجرة في زمان نموها واغتذائها تسبح، فمذ صارت خوانًا مدهونًا أو نحوه صارت جمادًا، وقالت فرقة: هذا التسبيح حقيقة، وكل شيء على العموم يسبح تسبيحًا لا يسمعه البشر ولا يفقهه، ولو كان التسبيح ما قاله الآخرون من أنه أثر الصنعة لكان أمرًا مفقوهًا، والآية تنطق بأن هذا التسبيح لا يفقه.
قال القاضي أبو محمد: وينفصل عن هذا الاعتراض بأن يراد بقوله: {لا تفقهون} الكفار والغفلة، أي إنهم يعرضون عن الاعتبار فلا يفقهون حكمة الله تعالى في الأشياء وقال الحسن: بلغني أن معنى هذه الآية في التوراة ذكر فيه ألف شيء مما يسبح سبحت له السماوات، سبحت له الأرض، سبح كذا، سبح كذا، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: {يسبح له} بالياء، وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي: {تسبح} بالتاء، والقراءتان حسنتان، وقرأ عبد الله بن مسعود وطلحة والاعمش: {سبحت له السماوات} وقوله: {إنه كان حليمًا غفورًا} فيه تنيه على إملائه لهم وصفحه عنهم في الدنيا وإمهاله لهم مع شنيع هذه المقالة، أي تقولون قولًا ينزهه عنه كل شيء من المخلوقات، {إنه كان حليمًا غفورًا} فلذلك أمهلكم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {أفأصفاكم ربكم بالبنين}
قال مقاتل: نزلت في مشركي العرب الذين قالوا: الملائكة بنات الرحمن.
وقال أبو عبيدة: ومعنى {أفأصفاكم}: اختصكم.
وقال المفضل: أخلصكم.
وقال الزجاج: اختار لكم صفوة الشيء.
وهذا توبيخ للكفار، والمعنى: اختار لكم البنين دونه، وجعل البنات مشتركة بينكم وبينه، فاختصكم بالأعلى وجعل لنفسه الأدون؟!
قوله تعالى: {ولقد صَرَّفْنا}
معنى التصريف هاهنا: التبيين، وذلك أنه إِنما يصرِّف القول ليبيِّن.
وقال ابن قتيبة: {صرّفنا} بمعنى: وجَّهنا، وهو من قولك: صرفت إِليك كذا، أي: عدلت به إِليك، وشُدِّدَ للتكثير، كما تقول: فَتَّحْتُ الأبواب.
قوله تعالى: {لِيَذَّكَّرُوا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: {لِيَذَّكَّروا} مشدّد.
وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: {ليَذْكُرُوا} مخفف، وكذلك قرؤوا في [الفرقان: 50].
والتذكُّر: الاتعاظ والتدبر.
{وما يزيدهم} تصريفنا وتذكيرنا {إِلاَّ نُفورًا} قال ابن عباس: ينفرون من الحق ويتبعون الباطل.
قوله تعالى: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون}
قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {تقولون} بالتاء.
وقرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم: {يقولون} بالياء.
قوله تعالى: {إِذًا لابتَغَوْا إِلى ذي العرش سبيلًا} فيه قولان.
أحدهما: لابتَغَوا سبيلًا إِلى ممانعته وإِزالة ملكه، قاله الحسن، وسعيد بن جبير.
والثاني: لابتَغَوا سبيلًا إِلى رضاه، لأنهم دونه، قاله قتادة.
قوله تعالى: {عَمَّا يقولون} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر، وحفص عن عاصم: {يقولون} بالياء.
وقرأ حمزة، والكسائي: بالتاء.
قوله تعالى: {تسبِّح له السموات السبع} قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: {تسبِّح} بالتاء.
وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو بكر [عن] عاصم: {يسبِّح} بالياء.
قال الفراء: وإِنما حَسُنَت الياء هاهنا، لأنه عدد قليل، وإِذا قلَّ العدد من المؤنَّث والمذكَّر، كانت الياء فيه أحسن من التاء، قال عز وجل في المؤنث القليل: {وقال نسوة} [يوسف: 30]، وقال في المذكَّر: {فإذا انسلخ الأشهرُ الحُرُم} [التوبه: 5].
قال العلماء: والمراد بهذا التسبيح: الدلالة على أنه الخالق القادر.
قوله تعالى: {وإِن من شيء إِلا يسبِّح بحمده} {إِن} بمعنى ما.
وهل هذا على إِطلاقه، أم لا؟ فيه قولان.
أحدهما: أنه على إِطلاقه، فكلُّ شيء يسبِّحُهُ حتى الثوب والطعام وصرير الباب، قاله إِبراهيم النخعي.
والثاني: أنه عامّ يراد به الخاصّ.
ثم فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه كل شيء فيه الروح، قاله الحسن، وقتادة والضحاك.
والثاني: أنه كُلُّ ذي روح، وكل نامٍ من شجرٍ أو نبات؛ قال عكرمة: الشجرة تسبِّح، والأسطوانة لا تسبِّح.
وجلس الحسن على طعام فقدَّموا اُلخِوان، فقيل له: أيسبِّح هذا اُلِخوان؟، فقال: قد كان يسبِّح مرة.
والثالث: أنه كل شيء لم يغيَّر عن حاله، فإذا تغيَّر انقطع تسبيحه؛ روى خالد بن معدان عن المقدام بن معدي كرب قال: إِنَّ التراب ليسبِّح ما لم يبتلّ، فإذا ابتلّ ترك التسبيح، وإِن الورقة تسبِّح ما دامت على الشجرة، فإذا سقطت تركت التسبيح، وإِن الثوب ليسبِّحُ ما دام جديدًا، فإذا توسخ ترك التسبيح.
فأما تسبيح الحيوان الناطق، فمعلوم، وتسبيح الحيوان غير الناطق، فجائز أن يكون بصوته، وجائز أن يكون بدلالته على صانعه.
وفي تسبيح الجمادات ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه تسبيح لا يعلمه إِلاَّ الله.
والثاني: أنه خضوعه وخشوعه لله.
والثالث: أنه دلالته على صانعه، فيوجب ذلك تسبيح مُبْصِره.
فإن قلنا: إِنه تسبيح حقيقة، كان قوله: {ولكن لا تفقهون تسبيحهم} لجميع الخلق؛ وإِن قلنا: إِنه دلالته على صانعه، كان الخطاب للكفار، لأنهم لا يستدلُّون، ولا يعتبرون.
وقد شرحنا معنى الحليم والغفور في [البقرة: 225]. اهـ.